الأزمات الصحية واحدة من الوقائع التي تنعكس آثارها ويمكن رصد ملامحها على العلاقات القانونية بوجه عام والعلاقات التعاقدية على وجه الخصوص، ومن ذلك مدى الأثر الذي يمكن أن تحدثه هذه الجائحة على الالتزامات التي تنشأ في إطار علاقة تعاقدية، وهو ما يمكن الحديث عنه في ظل قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقرها القانون، ومنها ما يُعرف بنظرية الظروف الطارئة.
ومن هنا يجب إسباغ الصفة القانونية لهذا الظرف والعارض على الالتزامات التعاقدية، وهو حدث طارئ غير متوقع سيؤثر أو يغير من أداء الالتزامات التعاقدية وهذا ما يطلق عليه أيضا بالقوة القاهرة الذي يعد أحد بنود العقود والاتفاقيات والذي ينص على ما يجب أن يتم فيما لو طرأت أية حادثة لا يمكن توقعها ودفعها واستحال معها تنفيذ الالتزامات التعاقدية.
لابد أن تتوفر أركانه حتى تطبق آثاره القانونية وهي:
١/ حدث خارج إرادة الطرفين
٢/ عدم العلم به وقت التعاقد
٣/ يستحيل دفعه
٤/ استحالة تنفيذ التزامات العقد
ولهذا الشرط دور كبير في الحد من النتائج المترتبة على مبدأ استحالة تنفيذ الالتزام التعاقدي والذي يعد أحد وسائل انقضاء الالتزام التعاقدي نتيجة حوادث لا يمكن دفعها ولا توقعها وخارجة عن سيطرة أطراف الالتزام.
وتناولت العديد من الأنظمة القوة القاهرة والظروف الطارئة من أبرزها:
ما نصت المادة الرابعة عشر من نظام التجارة الإلكترونية:
ما لم يتفق موفر الخدمة والمستهلك على مدة أخرى لتسليم محل العقد أو تنفيذه، يحق للمستهلك فسخ العقد إذا تأخر موفر الخدمة عن التسليم أو التنفيذ مدة تزيد على (خمسة عشر) يوماً من تاريخ إبرام العقد أو عن الموعد المتفق عليه، وله استرداد ما دفعه بمقتضى العقد مقابل المنتج أو الخدمة أو غير ذلك من تكاليف ترتبت على هذا التأخير، ما لم يكن التأخير بسبب قوة قاهرة.
دون إخلال بما ورد في الفقرة (1) من هذه المادة، يلتزم موفر الخدمة بإبلاغ المستهلك عن أي تأخير متوقع أو صعوبات يكون لها تأثير جوهري في تسليم محل العقد أو تنفيذه.
وما نصت عليه المادة الرابعة والسبعون من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية:
يكون تمديد العقد والإعفاء من الغرامة في الحالات الآتية:
إذا كُلف المتعاقد معه بأعمال إضافية، بشرط أن تكون المدة المضافة متناسبة مع حجم الأعمال وطبيعتها وتاريخ التكليف بها.
إذا كانت الاعتمادات المالية السنوية للمشروع غير كافية لإنجاز العمل في الوقت المحدد.
إذا كان التأخير يعود إلى الجهة الحكومية أو ظروف طارئة.
إذا تأخر المتعاقد معه عن تنفيذ العقد لأسباب خارجة عن إرادته.
إذا صدر أمر من الجهة الحكومية بإيقاف الأعمال أو بعضها لأسباب لا تعود إلى المتعاقد معه.
وتحدد اللائحة ضوابط وإجراءات تمديد العقود والإعفاء من الغرامة.
وما نصت عليه المادة السادسة والثلاثون بعد المائة من النظام البحري التجاري:
إذا حالت قوة قاهرة دون البدء في السفر أو دون مواصلته استحق البحار المعين بالرحلة أجرة عن الأيام التي قضاها فعلاً عليه في خدمة السفينة، ولا يجوز له المطالبة بأي مكافأة أو تعويض.
ونصت المادة الثانية والستون بعد المائة من ذات النظام على:
1- لا تستحق الأجرة إذا هلكت السفينة، أو توقفت بسبب قوة قاهرة أو بفعل المؤجر أو تابعيه.
2- إذا انقطعت أنباء السفينة، ثم ثبت هلاكها استحقت الأجرة إلى تاريخ آخر نبأ عنها.
كما نصت لمادة الحادية والسبعون بعد المائة من ذات النظام على:
ينفسخ عقد إيجار السفينة دون تعويض على المؤجر أو المستأجر إذا قامت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الرحلة مستحيلاً، أو إذا مُنعت التجارة مع الدولة التي يقع فيها أحد ميناءي الشحن أو التفريغ.
وما نصت عليه المادة الرابعة والعشرون من نظام المحاكم التجارية:
تلزم الوكيل والأمين ضمانة إيصال البضائع المسلمة إليه في داخل المهلة المعينة في قائمة الإرسالية فكل ضرر ينشأ من تأخيره يضمنه ما لم يكن المانع قاهرا يعجز عن دفعه.
ونصت المادة 74 من نظام العمل السعودي على:
أن القوة القاهرة تعد حالة من حالات انتهاء عقد العمل.
هذه النصوص وردت في أنظمة محددة، ومن ثم لا يمكن تطبيقها على بقية العقود التي لا تحكمها تلك الأنظمة. وعليه، وفي ظل عدم وجود نظام مدني يحكم العقود والمعاملات ّ بشكل عام، ويبين أحكام وشروط تطبيق نظريتي القوة القاهرة والظروف الطارئة -على غرار ما هو معمول به في أغلب الأنظمة المقارنة-، فإن أغلب العقود والالتزامات المتأثرة بهذه الجائحة خضعت لمبادئ الشريعة، الأمر الذي أعطى القضاة سلطة تقديرية واسعة في دراسة الوقائع العقود، والحكم وفقا لطبيعة كل عقد، وظروفه، ودرجة تأثره بهذه الجائحة.
أما بالنسبة لأهم النظريات الفقهية التي وضعها الفقهاء للتعامل مع حالات القوة القاهرة:
- قاعدة ” لا ضرر ولا ضرار”.
- قاعدة ” الضرر يُزال”.
- قاعدة” الضرورات تبيح المحظورات”.
- قاعدة ” درء المفاسد أولى من جلب المصالح”.
ومن أبرز لآليات المتاحة لرفع الضرر الحال بسبب جائحة فيروس كورونا:
١/ إزالة الضرر تبعاً لنصوص العقد وشروطه.
٢/ أو اللجوء إلى القضاء للفضل في النزاع.
٣/ أو التسوية الودية لرفع الضرر الحال بسبب جائحة فيروس كورونا
وفي ظل هذه الظروف تم توقيع قرارات في الهيئة العامة للمحكمة العليا من قبل 32 عضواً اشترطت خمسة شروط وهي:
- أن يكون العقد مبرماً قبل بدء الإجراءات الاحترازية للجائحة واستمر تنفيذه بعد وقوعها.
- وأن يكون أثر الجائحة مباشرة على العقد ولا يمكن تلافيه.
- وأن يستقل أثر الجائحة الواقع على العقد دون مشاركة سبب آخر.
- وألا يكون المتضرر قد تنازل عن حقه أو اصطلح بشأنه.
- وألا تكون آثار الجائحة وضررها معالجة بنظام خاص، أو بقرار من الجهة المختصة.
☑️ كما أكدت المحكمة أنه ستطبق في عقود أجرة العقار والمنقول التي تأثرت بالجائحة، الأحكام في حالتين:
– الحالة الأولى إذا تعذر على المستأجر بسبب الجائحة الانتفاع بالعين المؤجرة كلياً أو جزئياً، فتنقص المحكمة من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة المقصودة المعتادة.
– الحالة الثانية لا يثبت للمؤجر حق فسخ العقد إذا كان تأخر المستأجر عن دفع أجرة الفترة التي تعذر الانتفاع فيها كلياً أو جزئياً بسبب الجائحة.
📍واستقر العمل في التعويض بسبب جائحة كورونا فينا يتعلق بعقود أجرة العقار على أن يكون بقدر ثلاثة أشهر غالبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية.
ومن تطبيقات القضاء السعودي لنظرية القوة القاهرة أو الظروف الطارئة:
▪ سابقة قضائية متعلقة بفسخ عقد إيجار وإعادة الأجرة المسلمة: حيث ورد في هذه السابقة أن ما استقر عليه القضاء السعودي أن من استأجر عينا فحدث أمر غالب يمنعه من الانتفاع بالعين المؤجرة بسبب ال يتعلق بالمستأجر، فإنه لا تلزمه الأجرة إلا بقدر انتفاعه. الحكم الصادر بالصك رقم 3450435 وتاريخ 30/02/1434هـ في الدعوى رقم 33442221 والمصادق عليه بقرار الاستئناف رقم 34208836 وتاريخ 07/05/1434ه، حيث حكمت المحكمة بفسخ العقد وإعادة الأجرة ّ ُ المسلمة، ذلك أن المستأجر منع من الانتفاع بالعين المؤجرة بسبب خارج عن إرادة طرفي العقد.
أحدث التعليقات